Sunday, July 17, 2005

عنتريات ..

ذات ليلة صيفية كنت نائما ً وصحوت على أصوات كثيرة وكان ذلك قرب الفجر ، قلت فى نفسى لعلهم شباب الحى الذى دأبوا على اللعب والسهر حتى ساعات الصباح الأولى محدثين ضوضاء بأصواتهم العالية وضحكاتهم الهستيرية ، إلا أننى سمعت صوتاً مميزاً أعرفه جيداً ... صوت اللاسلكى ... عرفتهم بهمهماتهم وتحركاتهم التى توحى بعظائم الأمور ... طار النوم من عينى أدركت أن عمى هو المستهدف وأنهم هنا لإعتقاله - كالعادة - أختلست النظرمن خلال شيش نافذة حجرتى ... وجدتهم قد أقتحموا فعلاً منزل جدتى الطاعنة فى السن وكبلوه وأخذوا يجرجرونه إلى سياراتهم وسط صرخاتها ودموعها وتوسلاتها لهم بتركه وعدم إذائه ، وأبى يجرى خلفهم فى الشارع بملابس نومه حافى القدمين وهو فى قمة الغضب ... يصرخ فيهم بأنه ليس بتاجر مخدرات وليس بقاتل أو إرهابى فلماذا هذه المعاملة اللاآدمية .
فى تلك اللحظات ألقيت نظرة فى الشارع فوجدته هادئ جداً فى هذا الوقت من الليل وأعرف أن أهل الحى قد أستيقظوا على أصوات إحدى الغزوات البطولية لحكومتنا الرشيدة - حيث أنهم شاهدوها خلف نوافذهم المغلقة - والتى لا تألوا جهدا فى تذكير الناس بالمثل الشهير ( إضرب فى المربوط يخاف منك السائب) والتى لا تتورع عن إجاد العبر والمثل لمن تسول له نفسه بالمعارضة أو إستخدام تلك الزائدة الدودية القابعة بين فكي كل واحد منا فى ما يضر بمصالح الوطن العليا .ووجدت 4 من سيارات الأمن المركزى الملئ بأعداد كبيرة من مغاوير الداخلية ... البسطاء ... الجهلة.هذا غير 3 سيارات بيك أب مغطاة يعتليها حفنه من المخبرين وأمناء الشرطة والذى هم فى العادة لايحلوا لهم ركوبها إلا شعبطه ممسكين بأطرها الحديدية ... منظر مخيف دأبوا على الظهور به لتربية الجبن والهلع فى قلوب شعبنا المسالم وإماتة إنسانيته ببطئ .
المهم ... فى تلك اللحظات العصيبة هرعت إلى الشرفة وأمى تمسك بى وتمنعنى من الظهور أمامهم إلا أننى كنت أسرع منها ، وهناك هالنى ما رأيت ... رأيت كبيرهم وهو يأمرهم ويقول :" هاتوا ابن الكلب ده" وهو يقصد أبى وما كاد أن يتم كلامه حتى أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم وهو ينعتهم بـ " ابناء الكلاب "،" العملاء" وهو فى ثوره شديدة فما كان منهم إلا أن صعقوه بإستخدام عصا ً كهربائية فى موطن قلبة فوقع من فوره على الأرض مابين الإغماء والإفاقة وأخذوه معهم .
عندما رأيت ذلك طارعقلى وجريت إلى الشارع وأنا أسبهم وألعنهم ... وأبكى ... وأمى ماسكة بتلابيبى حتى لا أخرج فأواجه مصيراً مثل مصير أبى إلا أننى إندفعت إلى الخارج وسط نحيب سيدات الأسرة وهلع أعمامى وأخوتى فأمسكوا بنا حتى يتسنى لهم الخروج من منطقتنا بسلام .. وهذا ما حدث .... ذهبوا بأبى وعمى دون أن نعرف وجهتهم حيث الخارج معهم مفقود والقادم من عندهم مولود ... أحسست بالعجز وقلة الحيلة ... تائه ... خائف ... مصدوم ... لا أدرى ماذا أفعل ؟؟
رجعت أجر أذيال الخيبة إلى البيت ... بيت العيلة ... لأرى جدتى رحمها الله وقد أفترشت الأرض وبجانبها نساء العائلة يبكين ويهدئون من روعها وهى تنتحب وتقول " حسبي الله ونعم الوكيل فيكم يا ظلمة " وتنظر إلى بأعين دامعه وتسألنى أين أبى ؟ وأنا لا أدرى ماذا أقول لها ؟ ظللنا على هذا الحال إلى أن سمعنا بالإبتهالات التى تسبق صلاة الفجر تملاء الآذان ونحن واجمون ...
وفوجئنا بقدوم أبى وهو يجر قدميه والأعياء بدا واضحاً على قسمات وجهه الذى أكسبته الشمس سمرة واضحة زادت حين رأيناه وأرتمى فى أحضان جدتى وهو يقول " أخذوا ... يا أمه" وهو يبكى ... وكانت هذه المرة الوحيدة التى رأيت أبى يبكى فيها ومعالم الألم بادية على قسماته ... وقام أحد أعمامى بالكشف عن صدره ورأينا حرقاً دامياً به وهو يشتكى من إضطراب ضربات قلبه ...
يتبع

0 Comments:

Post a Comment

<< Home