Monday, August 01, 2005

يعنى إيه إستقرار

عقول من النوع السنجابي‏!!‏

‏ جاء في حكم و قصص الصين القديمة أن ملكا أراد أن يكافئ أحد مواطنيه فقال له‏:‏ امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيرا علي قدميك‏..‏ فرح الرجل و شرع يزرع الأرض مسرعا و مهرولا في جنون‏..‏ سار مسافة طويلة فتعب و فكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها‏..‏ و لكنه غير رأيه و قرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد‏..‏ سار مسافات أطول و أطول و فكر في أن يعود للملك مكتفيا بما وصل إليه‏..‏ لكنه تردد مرة أخري و قرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد و المزيد‏..‏ ظل الرجل يسير و يسير ول م يعد أبدا‏..‏ فقد ضل طريقه و ضاع في الحياة، و يقال إنه وقع صريعا من جراء الإنهاك الشديد‏..‏ لم يمتلك شيئا و لم يشعر بالاكتفاء و السعادة لأنه لم يعرف حد الكفاية (القناعة)‏.‏
النجاح الكافي صيحة أطلقها لوراناش و هوارد ستيفنسون‏..‏ يحذران فيها من النجاح الزائف المراوغ الذي يفترس عمر الإنسان فيظل متعطشا للمزيد دون أن يشعر بالارتواء‏..‏ من يستطيع أن يقول لا في الوقت المناسب و يقاوم الشهرة و الأضواء و الثروة و الجاه و السلطان‏؟
لا سقف للطموحات في هذه الدنيا‏..‏ فعليك أن تختار ما يكفيك منها ثم تقول نكتفي بهذا القدر‏..‏ و نواصل الإرسال بعد الفاصل‏..‏ بعد فاصل من التأمل يتم فيه إعادة ترتيب أولويات المخطط‏..‏
الطموح مصيدة‏..‏ تتصور إنك تصطاده‏..‏ فإذا بك أنت الصيد الثمين‏..‏ لا تصدق؟‏!..‏ إليك هذه القصة‏..
‏ ذهب صديقان يصطادان الأسماك فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة فوضعها في حقيبته و نهض لينصرف‏..‏ فسأله الآخر‏:‏ إلي أين تذهب؟‏!..‏ فأجابه الصديق‏:‏ إلي البيت‏ لقد اصطدت سمكة كبيرة جدا تكفيني‏..‏ فرد الرجل‏:‏ انتظر لتصطاد المزيد من الأسماك الكبيرة مثلي‏..‏ فسأله صديقه‏:‏ و لماذا أفعل ذلك؟‏!..‏ فرد الرجل‏..‏ عندما تصطاد أكثر من سمكة يمكنك أن تبيعها‏..‏ فسأله صديقه‏:‏ و لماذا أفعل هذا؟‏..‏ قال له كي تحصل علي المزيد من المال‏..‏ فسأله صديقه‏:‏ و لماذا أفعل ذلك؟‏ فرد الرجل‏:‏ يمكنك أن تدخره وتزيد من رصيدك في البنك‏..‏ فسأله‏:‏ ولماذا أفعل ذلك؟ فرد الرجل‏:‏ لكي تصبح ثريا‏..‏ فسأله الصديق‏:‏ و ماذا سأفعل بالثراء؟‏!‏ فرد الرجل تستطيع في يوم من الأيام عندما تكبر أن تستمتع بوقتك مع أولادك و زوجتك‏..‏
فقال له الصديق العاقل‏ هذا هو بالضبط ما أفعله الآن و لا أريد تأجيله حتي أكبر و يضيع العمر‏..‏ رجل عاقل‏..‏ أليس كذلك‏!!‏
يقولون المستقبل من نصيب أصحاب الأسئلة الصعبة، و لكن الإنسان ـ كما يقول فنس بوسنت ـ أصبح في هذا العالم مثل النملة التي تركب علي ظهر الفيل‏..‏ تتجه شرقا بينما هو يتجه غربا‏..‏ فيصبح من المستحيل أن تصل إلى ما تريد‏..‏ لماذا؟ لأن عقل الإنسان الواعي يفكر بألفين فقط من الخلايا، أما عقله الباطن فيفكر بأربعة ملايين خلية‏.‏
و هكذا يعيش الإنسان معركتين‏..‏ معركة مع نفسه و مع العالم المتغير المتوحش‏..‏ و لا يستطيع أن يصل إلي سر السعادة أبدا‏.‏
يحكى أن أحد التجار أرسل ابنه لكي يتعلم سر السعادة لدى أحكم رجل في العالم‏..‏ مشي الفتى أربعين يوما حتي وصل إلى قصر جميل علي قمة جبل‏..‏ و فيه يسكن الحكيم الذي يسعي إليه‏..‏ و عندما وصل وجد في قصر الحكيم جمعا كبيرا من الناس‏..‏ انتظر الشاب ساعتين حين يحين دوره‏..‏ انصت الحكيم بانتباه إلي الشاب ثم قال له‏:‏ الوقت لا يتسع الآن و طلب منه أن يقوم بجولة داخل القصر و يعود لمقابلته بعد ساعتين‏..‏ و أضاف الحكيم و هو يقدم للفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتين من الزيت‏:‏ امسك بهذه الملعقة في يدك طوال جولتك و حاذر أن ينسكب منها الزيت‏.‏
أخذ الفتى يصعد سلالم القصر و يهبط مثبتا عينيه علي الملعقة‏..‏ ثم رجع لمقابلة الحكيم الذي سأله‏:‏ هل رأيت السجاد الفارسي في غرفة الطعام؟‏..‏ الحديقة الجميلة؟‏..‏ و هل استوقفتك المجلدات الجميلة في مكتبتي؟‏..‏ ارتبك الفتى و اعترف له بأنه لم ير شيئا، فقد كان همه الأول ألا يسكب نقطتي الزيت من الملعقة‏..‏ فقال الحكيم‏:‏ ارجع وتعرف علي معالم القصر‏..‏ فلا يمكنك أن تعتمد علي شخص لا يعرف البيت الذي يسكن فيه‏..‏ عاد الفتى يتجول في القصر منتبها إلي الروائع الفنية المعلقة علي الجدران‏..‏ شاهد الحديقة و الزهور الجميلة‏..‏ و عندما رجع إلي الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأي‏..‏ فسأله الحكيم‏:‏ و لكن أين قطرتي الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟‏..‏ نظر الفتى إلي الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا‏..‏ فقال له الحكيم‏:‏
تلك هي النصيحة التي أستطيع أن أسديها إليك سر السعادة هو أن تري روائع الدنيا و تستمتع بها دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت‏.‏
فهم الفتى مغزى القصة فالسعادة هي حاصل ضرب التوازن بين الأشياء، و قطرتا الزيت هما الستر والصحة‏..‏ فهما التوليفة الناجحة ضد التعاسة‏.‏
يقول إدوارد دي بونو أفضل تعريف للتعاسة هو انها تمثل الفجوة بين قدراتنا و توقعاتنا‏..‏
اننا نعيش في هذه الحياة بعقلية السنجاب‏..‏ فالسناجب تفتقر إلي القدرة علي التنظيم رغم نشاطها و حيويتها‏..‏ فهي تقضي عمرها في قطف و تخزين ثمار البندق بكميات أكبربكثير من قدر حاجتها.
=========
أوردت هذا المقال لتوضيح نقطة قد أشرت إليها فى مدونه سابقة وهى أن العديد من الشباب عندما ينخرط فى معترك الحياة يصبح همة الأول أن " يستقر " .... وعندما تسأله يعنى أية تستقر يجيب بأن الإستقرار هو الزواج وفتح بيت وتكوين أسرة المستقبل ... كلام جميل ... ولكن لى وجهه نظر فى إقران " الإستقرار " بالزواج وتكوين الأسرة ... بمعنى آخر لا أجد أن الزواج مرادفاً للإستقرار أى أن الأسم على غير مسمى ... وهذا ضمن أبعاد قضية أخرى وهى تناقض المسميات ، متناسياً أدوار أخرى لا تقل أهمية عن تكوين مؤسسة العائلة .
دعنا نرتب أوراقنا مرة أخرى ... الإستقرار فى رأيى هو " أستمرار حياة الإنسان وفقاً لما يريدة دون مشاكل" وهذا لا يوجد إلا فى المدينة الفاضلة أو فى الآخرة ... أما الزواج فهو مؤسسة المحبة والمودة والعطاء الغير مشروط بين الزوجين و لا يتأتى إستمرارة إلا بمجابهة الزوجين لمشاكل الحياة التى لا تنتهى وفقاً لتفهم كلا منهما للآخر ... ووفقاً لقناعتى الفكرية لمفهوم الزواج فإن نجاح الزوجين فى تخطى تلك العقبات يؤدى إلى الإنتقال إلى إنجاح أمر آخر وهو تربية أولاد أسوياء ... فالأطفال فى رأيى كالجائزة التى تمنح إلا لمن يستحقها .
إذاً ما العلاقة بين الإستقرار والزواج والعقل السنجابى ؟؟؟
الحقيقة العلاقة هنا هى بين الزواج والعقل السنجابى ... فالشاب غالباً لا يكون لدية هدف واضح لما يريد ويسير فى إتجاة تكوين الأسرة كنتيجة لموروثات المجتمع ولضغوط عائلية تقليدية تمارس عندما يشب الفتى عن الطوق ، ولا ينتبة إلى حق الله و الوطن والمجتمع فية فيصبح كالآلة التى تعمل دون كلل لتحصيل متطلبات أسرة المستقبل أو كما يقال :" حمار فى ساقية " وتصبح الأمور لدية غير متوازنة وبالتالى تصبح النتائج غير مرجوة . وهذا ما ناقشة الإعلامى جمال الشاعر- بشكل غير مباشر - بإسلوبة الرشيق فى مقالة السابق .
وهذا واقع ملموس لدى الكثير منا فنجد نموذج الأب الكادح الذى لا يأتى إلى منزلة إلا للراحة أو لقضاء بعض الوقت فى هدوء قبل إستئناف معركتة فى الحياة الصاخبة و لا تنال أسرتة سوى فتات إهتمامة وعواطفة المستهلكة والهدف توفير الحياة الكريمة أو السعادة كمحصلة نهائية .
والأم أيضاً لها نصيب من هذه التراجيديا الإجتماعية عندما يكون همها الأول والأخير تجهيزالطعام وترتيب المنزل وتعاطى التسوق ... وتترك أطفالها ليتلقوا تربيتهم ومثلهم وأخلاقهم من الفوضى الفضائية أو من الشوارع أو من المدارس ولا تحصنهم أو تحتضنهم تربوياً كما تحتضنهم عاطفياً ، ويحضرنى فى هذا الموضوع قول الشاعر :
ليس اليتيم من مات أبواه ... ولكن اليتيم من له أبٌ عنه مشغول وأمٌ عنه تخلت [ أو كما قال]
وبذلك نكون قد ظلمنا أطفالنا بدعوى توفير الحياة الكريمة لهم ... فهم نعمة من الله مغبونه لدى الكثير من الناس ، كغيرها من النعم التى أنعمها الله علينا ولا نلقى لها بالاً .
أما " الإستقرار " فهى كلمة مطاطة ذات بُعد نسبى تختلف معانيها والهدف إليها بإختلاف شخصية كل منا وهى غالباً كما قلت سابقاً لا توجد إلا فى مكانين إما فى الآخرة أو فى المدينة الفاضلة .
ويصل إليها المرء نفسياً قبل أن يصل إليها على أرض الواقع ؛ فالحياة إجمالاً حالة ذهنية كما قال أحدهم ... أى كما تتصور حياتك تجدها ... لذا إن أخذ الأمور ببساطة وتلقائية وعقلانية مفتاح وحل لكثير من المشاكل التى تتراكب على أعتاقنا .

5 Comments:

At 5/8/05 15:08, Blogger Prometheus said...

شكرا جزيلا لك
استمتعت فعلا بقراءة هذا المقال الممتاز الملئ بالدروس والعبر
تحياتي

 
At 6/8/05 10:09, Blogger مــهــــاجـــر said...

عزيزى Prometheus

إنه لمن دواعى سرورى أنك إستفدت مما كتبت ... شكراً على إطراءك

 
At 9/8/05 02:01, Blogger ROMANTIC ROSE said...

معك ف عباره "الحمار الذي يدور ف الساقيه" و الذي هو رب الاسره و ربته .. و لكن هل من بديل لهذا في عصر التطلعات و الماديات ؟؟

و انا لا اوافقك بشكل عام علي مفهوم الاستقرار .. كلا منا يري الاستقرار بمفهومه الخاص و المناسب لحياته .. فقد تري ان الزواج ليس استقرار في حين اراه انا كذلك .. و قد تري ان العمل الجيد او المستقبل المرموق هو الاستقرار و قد لا اراه كذلك .

امتعني المقال و انتظر المزيد ف القريب ان شاء الله.

 
At 9/8/05 08:39, Blogger مــهــــاجـــر said...

رومانتيك روز

أولاً البلوج منور بيكى

ثانياً أنا لم أقصد من كلامى أن الزواج ليس إستقراراً إنما قصدت أنه أصبح "غاية" وليس هدف وكنت أود لفت الأنظار إلى ما أصبحنا إلية ، وما كانت جرأة بعضهم فى المزيد من الديكتاتورية وتمديد سنوات الجفاف السياسى والإقتصادى إلا بسبب تغاضينا عن الأهم وإنشغلنا بالمهم ،وكما قلت سابقاًإنها سياسة متبعة فى جميع دول العالم الثالث بجعل الشعوب كما العبيد فى الحياة من أجل سد الرمق فقط لا غير وهذا هو حال الكثير من الناس ولا ذنب لهم فى ذلك لأن هناك من سبب فى هذا عن قصد إما بالسرقات وتكريس الفساد وإما لا لشئ سوى ذلك بمعنى آخر " إلهاء الناس بأنفسهم أكبر قدر من الوقت"سواء بسعيهم وراء لقمة العيش أو بمتابعة الفتوحات الكروية وإما بالأحداث التليفزيونية والإشاعات وما شابة ذلك ولاحظى معى أمثال وتعابير إنتشرت على ألسنة الناس فى عهد حكم العساكر تكرس ثقافة التجميع والتحويش (زى السناجب) مثل " إلى يعوزة البيت يحرم على الجامع" رغم إن الجامع مؤسسة من مؤسسات المجتمع ، " القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود" ونسى الناس أن الله هو موزع الأرزاق ، " وتوظيف الدين لخدمة أصحاب السياسة ومن ورائهم أصحاب المصالح والمال مثل " دع مال قيصر لقيصر ومال الله لله" وأيضاً " أطيعوا الله والرسول وأولى الأمرمنكم " .

إذاًالزواج هو وسيلة وأحد أهداف الإنسان فى الحياة ووسيلتة فى تكوين المجتمع المثالى - إن صح التعبير - المنتج الواعى .

عموماً يسعدنى دائماً وجودك فى مدونتى المتواضعة .

 
At 18/8/05 12:04, Blogger moe said...

مقال رائع يا عزيزي,استمتعت بة كثيرا

 

Post a Comment

<< Home