Monday, August 22, 2005

يـومـيـات فـرفـور

  1. فـرفـور فـى الأدغــال

    مبدئياً لابد لى من أعترف بأنى كتابتى لهذه اليوميات هى طريقة أستطيع بها أن أهرب من بوادر إكتئاب إكتشفتة يتسلل إلىّ خلسة وعلى حين غفلة ًمنى ، فبعد جولاتى المعتادة مع البلوجاوية والبلوجاويات وجدت أن هناك مسحة خفية - وأحياناً ظاهرة - من الإكتئاب تسرى فى كتاباتهم وهذا غالباً نتيجة أوضاع سياسية متشقلبة وظروف حياتية متنيلة عند البعض منا .

    فى ظل ذلك وجدت نفسى ودون وعى منى أتذكر مواقف كنت أقابلها فى صغرى وتنتابنى هيستيريا الضحك منها وأحيانـاً تنسال من عينى دمعة لعجزى عن الإجابة عن سؤال يراودنى دوماً عن أين هو فرفور الآن ؟؟ على فكرة فرفور ده كان أنا أيام العفرته أو الشيطنة على رأى المحيطين بى فى تلك الأيام .

    فهناك أحداث لا أنساها أبداً ما حييت حدثت لى فى طفولتى ، ففى يوم من الأيام قامت أمى بإنتشالى من الشارع وأوهمتنى بوجود شيكولاتة مع أبى فى حجرة الصالون ، طبعاً جريت زى الأهبل ممنياً نفسى بقطعة من شيكولاتة كورونا ذات الغلاف الأخضر والتى أعشقها ووجدت أبى ومعه أحد أعمامى وشخص غريب لم تكن ملامحة مريحة بالنسبة لى حيث أنه كان ينظر إلىّ بترقب وعلى شفتية إبتسامة لم أرى أخبث منها ، المهم قام أبى وطرحنى على طاولة صغيرة ووجدت نفسى مكبلاً من يدى ومن رجلى ، أدركت حينها أننى فى فخ فصرخت بأعلى صوت لى مستنهضاً أمى أن تنجدنى من براثن هؤلاء الناس ورفعت رأسى ووجدت ذلك الخبيث - قاتلة الله - يقوم بحاجات غريبة و فجأة أحسست بآلام فظيعة فى الجزء الأسفل منى وأنطلقت منى صرخة عالية مصحوبة بأقزع الشتائم التى تعلمتها بمجهود فردى من شارعنا المصون ومما جادت به قريحتى المصدومة وأتلوى كما القرموط الصغير عندما يمسك به أحدهم ، ولم ينقطع منى سيل الشتائم والصراخ فى تلك المعركة حتى بعد أن تركونى إلى أن نمت بعد أن خارت قواى وأسنفذت صرخاتى وشتائمى وكانت ليلة ليلاء حيث أستيقظ كل خمس دقائق على صراخ متواصل وكانوا يهدئوننى بإعطائى قطع من الشيكولاتة التى كرهتها عندئذ بسبب هذا الحدث الذى مازال محفوراً فى عقلى بكل قطرة دم أريقت منى .

    كان شـَعرى طوييلٌ أصفرٌ
    وفى اليوم التالى وجدتهم قد ألبسونى جلباباً أبيض وأنهال على منزلنا كثير من الناس كى يتشفوا فىّ ورأيت النساء وقد إتشحن بالسواد وتبدوا منهن سعادة غامرة وهم يقبلن أمى ويهنئونها على سلامتى ويتجهن نحوى وأنا طريح الفراش مباعداً بين رجلىّ حتى لا تلامس ما أصابنى ، وينهلن علىّ بالتقبيل وقد رسمن على شفاههن إبتسامات بلهاء وأنا أسبهن فى سرى لفرحهن على مصابى الأليم.

    المهم أصبح العم سيد الحلاق - وهو أسم من أراق دمى فى هذا اليوم المشؤم - هو البعبع المفضل لدى أمى والذى تهددنى به دائماً عندما أتمادى فى شقاوتى إلا أن هذا لم يردعنى وأصبحت أكثر شقاوة من ذى قبل .
    كانت ألعابى هى ألعاب الشارع ولم أعرف اللعب أوحاجيات الأطفال التى يلعبون بها فى هذا السن إلا فيما ندر والتى كانت غالباً مصيرها الدمار الشامل ، فكنا يوماً نلعب "حجلة" ويوماً " أستغماية" ويوماً "كهربة" وأحياناً كنا نقوم بجمع كازوز البيبسى وكوكاكولا ونصنع منها عرباتنا الصغيرة ونتسابق بها ودوماً نلعب فى الرمل أو نتشعبط فى العربيات وكانت الحناطير هى المفضلة لدينا دائماً لسهولة ركوبها والفرار منها عند اللزوم ، وكنا نتربص بالحناطير التى تمر وعلى حين غفلة من العربجى نركب خلفها ونحن نكتم الضحكات ومن الممكن أن يقوم أحد الأنذال من الفريق المُعادى ويصرخ قائلاً :" كرباج ورا ياسطى" طبعاً أول ما نسمع كده نقوم بهروب سريع قبل أن ينال أحد منا لسعة معتبرة من الكرباج .

    وكنا نقوم بالغارات على الحدائق التى كانت تعمر شارعنا ونتخير أزهار معينة منها ونقوم بنزع كاساتها ونرتشف رحيقها ذو الطعم العسلى المحبب لنا ، وفى إحدى المرات قمنا بغارةعلى إحدى الأشجار المزهرة ذات الإرتفاع العالى والتى كانت تحف شارعنا على الجانبين ونقذفها بالطوب عسى أن ننال منها بعض الأزهار أو بعض من بذورها ذات الكساء الخشبى الطويل الشبية بالسيف كى نتبارز بها وكل منا قد تظاهر بأنه عنترة ويقول للآخر وهو يطعنة:"روح لأمك" ويرد علية قائلاً:"العطريا ولد" طبعاً كان هناك عبلة ٌ ما نتحارب من أجلها ... المهم فى هذه المرة وبينما نحن نقذف بالطوب نحو الشجرة التى لم تسلم من أيدينا، كنت أنحنى لألتقط أحد الأحجار وإذا بى أشعر بآلام رهيبة ودوخة عقب نزول حجر صلب صدم أعلى رأسى وأنهمرت الدماء على وجهى وأنا أبكى ... طبعاً شلة الأنذال عندما رأوا ذلك كله خد ديلة فى إسنانة وقال يا فكيك وبقيت أنا أبكى ليس من الألم ولكن من العقاب الذى ينتظرنى فى البيت وحِـرت كيف أتصرف ؟! فذهبت إلى جارتنا التى بطيبتها خبأتنى ووضعت البن على جرح رأسى ونمت عندها ... بعد ذلك جاءت أمى ورأت ما بى فأحمر وجهها وكادت أن تخلع شبشبها وتنهال به على جسمى إلا أن جارتنا حاشتها وقامت بإستدعاء تمرجى قام بخياطة الجرح - ما كنش فية حاجة إسمها بنج سواء فى هذه الموقعة أم فى موقعة عم سيد - طبعاً كنت مرابط عند جارتنا ملتمساً الآمان وجاء الليل وهممت بالخروج لمتابعة أعمالى فى الشارع والتى تنتظر رجوعى إلا أنهم أمسكوا بى وقالوا لى :" يادوب تنام علشان بكرة هتروح المدرسة" !!! أنا إعتبرتها لعبة جديدة أو مكان العيال دايماً تلعب فية ... المهم كنت مبسوط وسعيد بلعبتى الجديدة والتى سأدعوا رفاقى للعب معى فيها ... وصباحاً ذهبت إلى أول يوم لى فى المدارس مربوط الرأس والميكروكروم يغطى معظم الشاش الأبيض وألبس شـُرط مظهراً سجحاتى وجروحى المتعددة أثناء لعبى اليومى فى شارعنا العتيد . وبذلك إنتقلت من الغابة إلى حديقة حيوانات تسمى المدرسة كى أُستأنس وأصبح مثل باقى خلق الله.

8 Comments:

At 22/8/05 17:22, Blogger Hany Mihanny said...

:-)

 
At 22/8/05 22:14, Blogger Mr-Biboooo said...

اولا احب اهنيك على ملحوظتك ...... فعلا حاله من الكابه تجتاح البلوجات

اما عن ما كتبنه انت فعجبنى قولى اسلوبك اللى بيحمل لمحه سخريه من اشياء كتير و هو اسشلوبى المفضل كما احسدك على ذاكرتك القويه و مستنى حكاوى فرفور تانيه

 
At 23/8/05 08:09, Blogger مــهــــاجـــر said...

عزيزى بيبو

هناك أشياء كثيرة لا نجد لها تفسيراً إلا بالرجوع إلى الماضى ، لذلك أكتب عن نفسى وعن بيئتى .... عن أى شئ محاولة ً منى لفهم ما أنا علية الآن . وأنا نفسى أقرأ عن تجارب مماثلة للآخرين حتى نجد نقاط إلتقاء بيننا وبين الآخرين .
آرائك وإطلالتك تسعدنى دائماً .

 
At 23/8/05 23:22, Blogger بنت مصرية said...

ذكرياتك جميلة ومؤلمة يا مهاجر

بس انت تقصد ان حالة الإكتءاب عندك ليها جذور من الماضى السحيق ده؟

وللا انت بتحاول تتوه الحالة اللى عندك بالذكريات

عموما الظاهر ان الموضة اللى هتنزل جديد فى المدونات هى الذكريات.. ابقى شوف العدد الجاى بتاعى

تدوينتك ممتعة جدا

 
At 24/8/05 09:11, Blogger مــهــــاجـــر said...

بنت مصرية

هناك الكثير من تصرفاتنا ومواقفنا إتجاه البيئة المحيطة بنا نتخذها بتلقائية وعفوية دون التعمق فى أسبابها الحقيقة ، غالباً تكون هذه المواقف وردود الأفعال نابعة من ذكرى قديمة ،وللأسف قد يكون هذا سبباً فى عدم إتخاذنا موقف موضوعى إتجاه قضية ما بل ويصعب علينا ذلك .

حديثى عن هذه الذكريات ليست من قبيل التدوين قدر ما هى محاولة لكشف الذات وفهم لما أنا علية الآن على الرغم من أنها قد تكون محل أستهجان للبعض و فرصة للتعليقات الساخرة وصادمة للبعض الآخر.
على فكرة أنا بدأت أندم على تأييدى لقرارك بجعل المجلة نصف شهرية. أتحرق شوقاً لقراءتها

 
At 26/8/05 13:53, Blogger Lasto-adri *Blue* said...

أ÷ فى حالة كآبة بتجتاح البلوجات.. بس مش شايف إنها مرتبطة بإنقضاء فصول الصيف أو إننا ح نرجع تانى لحدائق حيواناتنا على إختلاف أنواعها وكدة؟

بس ذكراياتك حلوة يا مهاجلر.. والصورة اللى حاطتها أحلو وأحلة.. عارف فكرتنى بالرابعية دى


أنا اللي بالأمر المحال اغتــــــــــــوي
شفت القمر نطيت لفوق في الهـــــوا
طلته ما طلتوش إيه انا يهمنـــــــــي
و ليه .. ما دام بالنشوة قلبي ارتوي
عجبي !!


ممكن تسمحلى أبقى أستعملها فى تدوينة عندى ع البلوج؟! من فضلك

 
At 27/8/05 07:44, Blogger مــهــــاجـــر said...

Lasto-adri *Blue*

أولاً البلوج نور بتعليقك

ثانياً موضوع إرتباط ظهور االحالة الإكتئابية لدى الغالبية منا بتبدل فصول السنة " كانت موضة قديمة" لا يصح تطبيقها على الشعب المصرى المطحون دائماً وأبداً ، فالناس دائماً شايلة هم البيت والعيال والأسعار الملتهبة ، يصاحب ذلك إزدياد طفولية الوعود الحكومية وإضطرابات مراهقة متأخرة لدى حكومتنا الرشيدة .

فلا عجب أن الإكتئاب الآن سائد طوال السنة ولا يظهر بوضوح إلا فى مواسم طرح الكوسة بأسعار السوق ، بل حتى الكوسة وأسماك الحكومة الفاسدة أصبح لها تصنيفات وكل تصنيف له ناسة ... قرأتِ مقال " مولد سيدى الكارت" فى عشرينات ..

اظن أنكِ لاحظتى إشارتى لوجود مؤسسات لتدجين الشعب المصرى بدءً من روضات الأطفال والغناء فيها لماما سوزان وإنتهاءً بالجيش والشرطة اللذان أصبح الولاء عندهما لطويل العمر وعائلتة وليست لبلدهم .

وعلى عموم أنا سعيد بكونك إستمتعتى بذكرياتى المتواضعة وأرجوأن أن تكون المدونات السابقة قد أعجبتكى أيضاً . ويا ستى البلوج بلىّ فيه تحت أمرك وعلى فكرة الصور مش من بنات أفكارى ولا حاجة .. فكونى على راحتك ويا أهلاً وسهلاً بكِ فى أى وقت .

 
At 28/8/05 12:01, Blogger Ahmed Shokeir said...

:)

مساء الفل

أنا تعليقى.. فوووووووووووق

 

Post a Comment

<< Home